(الثالث عشر) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع، وهو حديث صحيح. ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح؛ وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفا ويبيعه ثمانمائة بألف أخرى، فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثمانمائة ليأخذ منه ألفين، وهذا هو معنى الربا.

ومن العجب أن بعض من أراد أن يحتج للبطلان في مسألة مد عجوة قال: إن من جوزها يجوز أن يبيع الرجل ألف دينار ومنديلا بألف وخمسمائة دينار تبر. يقصد بذلك أن هذا ذريعة إلى الربا، وهذه علة صحيحة في مسألة مد عجوة، ولكن المحتج بها ممن يجوز أن يقرضه ألفا ويبيعه المنديل بخمسمائة وهي بعينها الصورة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلة المتقدمة بعينها موجودة فيها، فكيف ينكر على غيره ما هو مرتكب له.

(الرابع عشر) أن الآثار المتقدمة في العينة فيها ما يدل على المنع من عودة السلعة إلى البائع وإن لم يتواطأ على الربا؛ وما ذاك إلا سدا للذريعة.

(الخامس عشر) أنه تقدم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه منع المقرض قبول هدية المقترض، إلا أن يحسبها له، أو يكون قد جرى ذلك بينهما قبل القرض؛ وما ذاك إلا لئلا تتخذ ذريعة إلى تأخير الدين لأجل الهدية، فيكون ربا إذا استعاد ماله بعد أن أخذ فضلا. وكذلك ما ذكر من منع الوالي والقاضي قبول الهدية ومنع الشافع قبول الهدية فإن فتح هذا الباب ذريعة إلى فساد عريض في الولاية الشرعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015