فيه هجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إباحة ما دون الامتلاء من ذلك، أخذا بمفهوم المخالفة، قائلين: إن من المعلوم أن قليل الشعر الذي قيل في هجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل كثيره سواء بسواء، ولو كان شطر بيت، وكأن حمل وجه الحديث على امتلاء القلب فيه الترخيص في القليل منه.

وممن ذهب هذا المذهب أبو عبيد القاسم بن سلام، وعبيد الله بن محمد ابن عائشة المعروف بالعيشي، فيما نقله عنهما الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 300)، والطبري في التهذيب (2/ 4).

ومن المعلوم أن مفهوم المخالفة هنا هو مفهوم الصفة، والأخذ به ضعيف جدا عند المحققين من أهل العلم من الأصوليين، وخاصة إذا خرج مخرج التنفير والمبالغة، من مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (?)، فالخطاب- كما ذكر الحافظ في الفتح (10/ 549) - جاء على وصف التشنيع والمبالغة، فلا يصح أن يكون له مفهوم مخالفة أصلا.

قال الإمام الطبري في التهذيب: (والصواب القول عندنا في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا هجيت به (?)»، ولا معنى لتوهم المنكر صحة معنى هذا الخبر أن يلزمه- إن قال بتصحيحه- إباحة ما دون امتلاء الجوف من هجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذا كان الظاهر منه عنده إنما يدل على النهي عن الامتلاء منه، دون الدلالة على النهي عما دون الامتلاء، وأن باطنه عنده يدل على إباحة ما دون الامتلاء منه إلا لغفلة، بل في ذلك الدليل الواضح لمن تأمله بفكر صحيح، أنه من النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عن قليل ما هجي به من الشعر وكثيره، وذلك أنه لا شك أن الامتلاء من ذلك إذا كان نظير الامتلاء من القيح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015