وإذا رجعنا إلى الدليل رأينا أن حديث: «كل دين جر نفعا» الخ ضعيف كما سيأتي عن نيل الأوطار، بل قال الفيروز أبادي إنه موضوع، ولكن في الباب أحاديث أخرى وآثارا تفيد في إنارة المسألة. قال في منتقى الأخبار: -
عن أبي هريرة قال: «كان لرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سن من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال: "أعطوه"، فطلبوا سنه، فلم يجدوا إلا سنا فوقها، فقال: "أعطوه" فقال: أوفيتني أوفاك الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن خيركم أحسنكم قضاء (?)»، وعن جابر قال: «أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان لي عليه دين فقضاني وزادني (?)». متفق عليهما.
وعن أنس وسئل: الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدي إليه، أو حمله على دابة فلا يركبها، ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه ذلك (?)» رواه ابن ماجه.
وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقرض فلا يأخذ هدية (?)» رواه البخاري في تاريخه.
وعن أبي بردة بن أبي موسى قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام، فقال لي: (إنك بأرض فيها الربا فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت (القت بالفتح وهو الجاف من النبات المعروف وهو رطب بالفصفصه بكسر الفائين وهي القضب) فلا تأخذه فإنه ربا). رواه البخاري في صحيحه.
أقول: أثر عبد الله بن سلام لا يحتج بمثله الجمهور الذين يحصرون أدلة الشرع في الكتاب السنة والإجماع والقياس. ومن الغريب قوله بفشو الربا في المدينة، والظاهر أنه قال بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخراج اليهود منها، وقال الشوكاني في شرح هذه الأحاديث ما نصه: حديث أنس في إسناده يحيى بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول، وفي إسناده أيضا عتبة