إن المتأمل في مسلك الأخفش في الفروع والمسائل لا يلبث أن يقرر وهو مطمئن أن هذا الرجل كان نحويا متميزا مقتدرا صاحب رأي متفرد في كثير من الأحيان، وأنه لم يكن مقلدا فحسب في جميع أحواله، وإنما كانت له مواقف انفرد بها ونزعات أظهرت ما لديه من القدرة على الاجتهاد والابتكار.
وما عباراته وأساليبه على ما فيها من الصعوبة والوعورة بصرف النظر عما قيل في تعليل ذلك مما هو مذكور ومشهور - إلا صور لقدراته الباهرة، ولعمقه الكبير، ولدقته في التعبير والتصوير ولجدته في عرض الحقائق بصورة لم يألفها كثيرون من نظرائه ومعاصريه وأقطاب الدرس النحوي في زمانه.
ولو أن الأخفش عاش في زمان لم يكن قد مضى فيه على الدرس النحوي في البصرة والكوفة المتنافستين إلا حين يسير من الدهر - لم يسمح