"كلكم"، لكن الأخفش منع مراعاة الحال وقال في "يا تميم كلكم" يجوز رفع التوكيد ونصبه، فإن رفع فهو مبتدأ وخبره محذوف أي "كلكم مدعو" وإن نصب فبفعل محذوف أي "كلكم دعوت" (?).
"ثم" حرف عطف يفيد الجمع والترتيب والمهلة، وذهب الأخفش إلى أن "ثم" قد تتخلف عن التراخي بدليل قولك: "أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب" لأن ثم في هذا القول جاءت في الترتيب الإخباري ولا تراخي بين الإخبارين (?).
قال الشاعر:
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ... يا ليت عدة حول كله رجب
توكيد النكرة "حول" توكيدا معنويا بـ"كله" كما في هذا البيت صحيح، لكنه شاذ عند جمهور البصريين، لأنه نادر أو قليل فيحفظ ولا يقاس عليه، وقد تابعهم ابن هشام على ذلك في بعض كتبه كالشذور والقطر.
ورأى الأخفش وجمهور الكوفيين أن توكيد النكرة توكيدا معنويا صحيح مطرد شريطة أن يكون هذا النوع من التوكيد للنكرة مفيدا، وأنشدوا هذا البيت ونحوه دليلا على ذلك، وقد تابعهم ابن هشام على رأيهم هذا في بعض كتبه الأخرى كالتوضيح، واختار هذا الرأي أيضا ابن مالك والرضي الإستراباذي والشاطبي (?).
بعد هذه الأمثلة الكثيرة يمكن القول إن الأخفش قد التقى في مسائل كثيرة مع الكوفيين من خلال التأثير المتبادل بينهم وبينه، لكن تأثيره فيهم وإعانته لهم على تحقيق غرضهم في إنشاء مذهب خاص بهم مغاير في أطره العامة وفي كثير من فروعه لمذهب البصريين - كانا أشد وضوحا وأكثر ظهورا.