على أن النحاة البصريين القدماء ومن تابعهم واصطبغ نحوه بمذهبهم - وكذلك اللغويون - لم يكونوا يجمعون على الالتزام الدائم بموقفهم الصارم في تحكيم قوانينهم في المأثور من كلام العرب، فقد كان منهم من يخالف موقفه موقف قومه العام قليلا أو كثيرا، وكان منهم أيضا من يخالف فعله قوله في بعض الأحايين، ومن هذا وذاك:

أنهم قالوا مثلا بعدم جواز إدخال "أل" على كل وبعض، لكنهم استعملوها معهما غير آبهين لقيدهم، وكتب النحو القديمة مليئة بمصطلح "بدل البعض من الكل" و"بدل الكل من الكل" جرى ذلك على ألسنة النحاة البصريين القدماء وفيهم سيبويه والأخفش وأضرابهما، وعلى ألسنة من بعدهم من مقدميهم وغيرهم مما لا تخطئه العين في هذه الكتب.

وأنهم قالوا أيضا: لا تستعمل كلمات كافة وقاطبة وطرا ومعا وعامة إلا منصوبة ومجردة من أل والإضافة، لكنهم لم يتحرجوا في استعمالها في كتبهم على خلاف ما قرروه، من ذلك قول الزمخشري: "ولقد ندبني ما بالمسلمين من الأرب إلى معرفة كلام العرب لإنشاء كتاب في الإعراب محيط بكافة الأبواب" (?) وقول الرازي "الكافة: الجميع من الناس" (?).

وقال سيبويه: "وأما بلى فتوجب بها بعد النفي، وأما نعم فعدة وتصديق" (?) لكنه استعمل في الوقت نفسه نعم موضع بلى فأوجب بها بعد النفي (?).

ومنع الحريري أن تلتقي "بينما" بإذ مع أن كتب العربية مشحونة بهذا الاستعمال، ولكن الحريري نفسه لم يلتزم بما منع، بل لقد أكثر من مخالفة ما منعه، فقد قال مثلا في إحدى مقاماته: "فبينما أنا تحت طراف،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015