وأيضا: فإن اليهود لم ينتفعوا بعين الشحم وإنما انتفعوا بثمنه فيلزم من وقف مع صور العقود والألفاظ، دون مقاصدها وحقائقها أن لا يحرم ذلك؛ لأن الله تعالى لم ينص على تحريم الثمن وإنما حرم عليهم نفس الشحم ولما لعنهم على استحلالهم الثمن، وإن لم ينص على تحريمه، دل على أن الواجب النظر إلى المقصود، وإن اختلفت الوسائل إليه، وأن ذلك يوجب أن لا يقصد الانتفاع بالعين ولا ببدلها.
ونظير هذا: أن يقال: لا تقرب مال اليتيم فتبيعه وتأكل عوضه، وأن يقال: لا تشرب الخمر فتغير اسمه وتشربه وأن يقال: لا تزن بهذه المرأة فتعقد عليها عقد إجارة وتقول إنما أستوفي منافعها وأمثال ذلك.
قالوا: ولهذا الأصل - وهو تحريم الحيل المتضمنة إباحة ما حرم الله أو إسقاط ما أوجبه الله عليه - أكثر من مائة دليل، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لعن المحلل والمحلل له (?)»، مع أنه أتى بصورة عقد النكاح الصحيح لما كان مقصوده التحليل لا حقيقة النكاح.
وقد ثبت عن الصحابة أنهم سموه زانيا ولم ينظروا إلى صورة العقد.