بهذا الاعتبار تعدل ثلث القرآن، لاشتمالها على ثلث مضمونه وهو التوحيد.
وهذه القسمة لا تخالف ما ذكرناه من تضمن القرآن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، لأن تقرير النبوة يتضمن إثبات الملائكة والكتب والرسل، لاستلزام النبوة نبيا يتلقى الوحي عن الله -عز وجل- بواسطة الملك.
وأما توجيه أن قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن، فلأن الخطاب في القرآن إما للمؤمنين أو للكفار، والمؤمنون ضربان: أحدهما مؤمن بالكتاب الأول، فخوطب بالإيمان بالكتاب الثاني وهو القرآن، كقوله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (?) يعني: يا أيها الذي آمنوا بالكتاب الأول آمنوا بمحمد والقرآن. الضرب الثاني: مؤمن بالكتاب الأول والآخر، وهم هذه الأمة، خوطبوا بتكميل الإيمان من فعل العبادات ونحوها من الفروع نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} (?)، {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (?) وأشباه ذلك.
والكفار أيضا ضربان: ضرب يخاطب بالدعاء إلى الإيمان نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (?) {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (?) ونحو ذلك.
وضرب يخاطب بالتبرؤ مما هو عليه نحو: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (?) {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (?) إلى آخرها. فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخاطبهم بأنه متبرئ منهم ومما يعبدون، فكانت هذه السورة ربع القرآن بهذا الاعتبار.