في الزواج، تحقيق السكن النفسي، قال ابن عباس: " لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصوى، من شقه الأيسر، ليسكن إليها، ويستأنس بها " (?)، وذلك لأن كل واحد من الزوجين يجد أنيسه وجليسه الذي يغذيه ويسليه، وينسيه وحشته وهمومه.

وقد تظهر بعض الفوارق، أو المتناقضات في بداية الحياة الزوجية بين الزوجين، مما يوهم بأن الزواج لم يحقق لهما الطموح الروحي والسكن النفسي، وهذا أمر طبيعي، نظرا لاختلاف كل منهما في الطباع والعادات والميول في بادئ الأمر، إلا أنه بالتقوى والصبر منهما على بعضهما، والنية الصالحة في استمرارهما وائتلافهما، سرعان ما تتبدد وتزول كل الفوارق والعقبات، لتحل محلها السكينة والمودة والمحبة، وتقارب الطباع والنفوس والأنفاس.

ذلك أنه بالعشرة الزوجية المستمرة، تتلاقى خواص الزوجين وأمزجتهما وطباعهما، حتى تكاد تصير واحدة، ويمسي كل منهما لبوسا للآخر، وظلا ظليلا له قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (?)، وبذلك يتحول الزواج مع الزمن واستمرار العشرة - من مجرد إرواء جنسي إلى دوحة نفسية، يجد فيها الزوجان حياتهما النفسية والروحية مفعمة بالحب والأشواق والوفاق، وتختفي مظاهر البعد والشقاق بينهما.

وهذا السكن النفسي له قيمة كبرى في التمتع بالحلال، وهو الفارق الحاسم بين النكاح وبين السفاح، فحياة الزوجين، ولقاؤهما وإقبالهما على بعض، وسفورهما أمام بعضهما سكينة واطمئنان، من غير توجس أو حياء، ونفورهما من هذه الطباع بغير زواج سر من أسرار الله تعالى في تأليف العواطف وتقارب النفوس، وهو رحمة وتوفيق منه بين الزوجين. قال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (?)، وقال تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015