السلطان للقاضي على أن يقضي بمذهب معين، فقد تناولوا عقد التولية نفسه على هذا القيد بما خلاصته أنه إذا كان تم العقد على اشتراطه سواء أكان في صيغة العقد أو متقدما عليه فإن عقد التولية باطل عند غير الأحناف صحيح عندهم، وإذا كان غير مشروط في صيغة العقد فعقد التولية صحيح إجماعا.
مما تقدم يتبين:
أولا: الفرق بين الولاة والعلماء والرعية في القرون الأولى، والولاة والعلماء والرعية في القرون الأخيرة لهذه الأمة الإسلامية لاختلاف أحوالهم علما وأمانة وعدلا، وفي قوة الثقة وضعفها، وكثرة المشاكل وقلتها، ويترتب على هذا الأمر الثاني.
ثانيا: الفرق بين القاضي المجتهد والمقلد، فالقاضي المجتهد يجب عليه أن يحكم فيما يرفع إليه من القضايا بما وصل إليه باجتهاده، ولا يجوز للحاكم العام إلزامه حين التولية أو بعدها أن يحكم بمذهب معين أو قول معين، فإن ألزمه بطل الشرط وصحت التولية، وقيل: يبطل الشرط والتولية جميعا، وإن كان الإلزام بعد التولية بطل الإلزام، وقضى بموجب اجتهاده. . أما القاضي المقلد فقيل فيه بما ذكر من الخلاف في حكم المجتهد، وقيل: تصح التولية ويمضي الشرط كان ذلك عند التولية أم بعدها ويلزمه العمل بما قيد به ولو خالف اعتقاده.
ثالثا: الفرق بين المسائل العلمية الكلية، والقضايا الجزئية، فحكم القاضي أو ولي الأمر لا يرفع الخلاف في الأولى، فيبقى لغيره حق النظر والحكم فيها بما يراه عن اجتهاد، ويرفع الخلاف في الثانية، فليس لأحد أن ينقض حكم ولي الأمر أو القاضي فيها بعينها إلا إذا خالف نص الكتاب أو السنة الصحيحة أو الإجماع.
رابعا: عموم التشريع وشموله فلا يحتاج إلى أحد سوى الله ورسوله في التشريع وإلى ولاة الأمور من العلماء والأمراء وأئمة المسلمين الفهم والتنفيذ لا غير، وإذا عرفت الأقوال فلنشرع في الأدلة ومناقشتها.