كما أخرجه هو من طريق آل ركانة وهو تعليل قوي لجاوز أن يكون بعض رواته حمل " البتة " على الثلاث فقال " طلقها ثلاثا " فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس، ولشيخ الإسلام ابن تيمية مناقشة لحديث ركانة هذا، ذكرها في كلامه على المقارنة الإجمالي بين أدلة الفريقين تركنا ذكرها هنا وستذكر في آخر البحث.
وقد أجاب ابن القيم أيضا عن حديث ركانة فقال (?): وأما حديث نافع بن عجير الذي رواه أبو داود أن ركانة طلق امرأته البتة فأحلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أراد إلا واحدة، فمن العجب تقديم نافع ابن عجير المجهول الذي لا يعرف حاله البتة، ولا يدري من هو " ولا ما هو " على ابن جريج ومعمر وعبد الله بن طاوس في قصة أبي الصهباء، وقد شهد إمام الحديث محمد بن إسماعيل البخاري بأن فيه اضطرابا، هكذا قال الترمذي في الجامع، وذكر عنه في مواضع أنه مضطرب، فتارة يقول: " طلقها ثلاثا " وتارة يقول: " واحدة " وتارة يقول: " البتة " وقال الإمام أحمد: وطرقه كلها ضعيفة، وضعفه أيضا البخاري حكاه المنذري عنه. ثم كيف يقدم هذا الحديث المضطرب المجهول رواته على حديث عبد الرزاق عن ابن جريج لجهالة بعض بني أبي رافع، وأبو رافع هذا وأولاده تابعيون وإن كان عبيد الله أشهرهم، وليس فيه منهم بالكذب؟ !
وقد روى عنه ابن جريج ومن يقبل رواية المجهول، أو يقول رواية العدل عنه تعديل له فهذا حجة عنده، فأما أن يضعفه ويقدم عليه رواية من هو مثله في الجهالة أو أشد فكلا، فغاية الأمر أن يتساقط روايتا هذين المجهولين ويعدل إلى غيرهما، وإذا فعلنا ذلك نظرنا في حديث سعد بن إبراهيم فوجدناه صحيح الإسناد، وقد زالت علة تدليس محمد بن إسحاق بقوله: " حدثني داود بن الحسين " ولكن رواه أبو عبد الله الحاكم في مستدركه وقال إسناده صحيح فوجدنا الحديث لا علة له.
وقد احتج أحمد بإسناده في مواضع، وقد صحح هو وغيره بهذا الإسناد بعينه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد زينب على زوجها أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا (?)» وأما داود بن الحصين عن عكرمة فلم تزل الأئمة تحتج به، وقد احتجوا به في حديث " العرايا " فيما شك فيه ولا يجزم به من تقديرها بخمسة أوسق أو دونها، مع كونها على خلاف الأحاديث التي نهى فيها عن بيع الرطب بالتمر فما ذنبه في هذا الحديث سوى رواية ما لا يقولون به وإن قد حتم في عكرمة - ولعلكم فاعلون - جاءكم ما لا قبل لكم به من التناقض فيما احتجتم به أنتم وأئمة الحديث من روايته، وارتضاه البخاري لإدخال حديثه في صحيحه.