اللعان لا يخلو من نظر، ولو سلمنا أن الفرقة بنفس اللعان فإنا لا نسلم أن سكوته - صلى الله عليه وسلم - لا دليل فيه بل نقول: لو كانت لا تقع دفعة لبين أنها لا تقع دفعة، ولو كانت الفرقة بنفس اللعان كما تقدم.
الدليل الثاني: ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - «أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت فطلقت فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أتحل للأول؟ قال: " حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول (?)».
وجه الدلالة: ذكر البخاري هذا الحديث تحت ترجمة " باب من أجاز الطلاق ثلاثا ".
وقال ابن حجر (?) والعيني (?) هو ظاهر في كونه مجموعة.
وقال ابن القيم (?): في وجه استدلالهم بالحديث: فلم ينكر - صلى الله عليه وسلم - ذلك وهذا يدل على إباحة جمع الثلاث وعلى وقوعها، إذ لو لم يقع لم يتوقف رجوعها إلى الأول على ذوق الثاني عسيلتها، وقد أجاب ابن القيم عن الاستدلال بهذا الدليل (?) فقال: وأما استدلالكم بحديث عائشة - وساق الحديث - فهذا مما لا ننازعكم فيه، نعم، هو حجة على من اكتفى بمجرد عقد الثاني، ولكن أين في الحديث أنه طلق الثلاث بفم واحد؟ بل الحديث حجة لنا، فإنه لا يقال: فعل ذلك ثلاثا، وقال ثلاثا إلا لمن فعل وقال مرة بعد مرة، وهذا هو المعقول في لغات الأمم عربهم وعجمهم، كما يقال: قذفه ثلاثا، وشتمه ثلاثا، وسلم عليه ثلاثا.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (?): واعترض الاستدلال بهذا الحديث بأنه مختصر من قصة رفاعة وقد قدمنا قريبا أن بعض الروايات الصحيحة دل على أنها ثلاث مفرقة لا مجموعة انتهى. . ومقصوده (?) ببعض الروايات هي رواية مسلم «" أنها طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات فلم يجعل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفقة ولا سكنى (?)». ثم قال:
ورد هذا الاعتراض بأن غير رفاعة قد وقع له مع امرأته نظير ما وقع لرفاعة فلا مانع من التعدد، وكونه الحديث الأخير في قصة أخرى كما ذكر الحافظ ابن حجر في الكلام على قصة رفاعة فإنه قال فيها ما نصه: وهذا الحديث إن كان محفوظا فالواضح من سياقه أنها قصة أخرى، وأن كلا من رفاعة القرظي، ورفاعة النضري وقع له مع زوجه له طلاق فتزوج كلا منهما عبد الرحمن بن الزبير فطلقها قبل أن يمسها، فالحكم في قصتهما متحد مع تغاير الأشخاص.