وقد يعترض على هذا فيقال: إنما لم ينكره عليه، لأنه لم يصادف الطلاق محلا مملوكا له ولا نفوذا.
ويجاب عن هذا الاعتراض بأنه لو كان الثلاث محرما لأنكر عليه، وقال له: كيف ترسل لفظ الطلاق الثلاث مع أنه حرام، والله أعلم.
وقال ابن نافع من أصحاب مالك: إنما طلقها ثلاثا بعد اللعان، لأنه يستحب إظهار الطلاق بعد اللعان، مع أنه قد حصلت الفرقة بنفس اللعان، وهذا فاسد، وكيف يستحب للإنسان أن يطلق من صارت أجنبية.
وقال محمد بن أبي صفرة المالكي: لا تحصل الفرقة بنفس اللعان، واحتج بطلاق عويمر وبقوله: إن أمسكتها، وتأوله الجمهور كما سبق، والله أعلم، وأما قوله: " قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين " فقد تأوله ابن نافع المالكي على أن معناه استحباب الطلاق بعد اللعان كما سبق، وقال الجمهور معناه حصول الفرقة بنفس اللعان.
وقال شيخ الإسلام (?) وأما الملاعن فإن طلاقه وقع بعد البينونة أو بعد وجوب الإبانة التي تحرم بها المرأة أعظم مما يحرم بالطلقة الثالثة، فكان مؤكدا لموجب اللعان، والنزاع إنما هو طلاق من يمكنه إمساكها، لا سيما والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد فرق بينها، فإن كان ذلك قبل الثلاث لم يقع بها ثلاث ولا غيرها، وإن كان بعدها دل على بقاء النكاح، والمعروف أنه فرق بينهما بعد أن طلقها ثلاثا، فدل ذلك على أن الثلاث لم يقع بها، إذ لو وقعت لكانت قد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، وامتنع حينئذ أن يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم بينهما لأنهما صارا أجنبيين.
ولكن غاية ما يمكن أن يقال: حرمها عليه تحريما مؤبدا. فيقال: فكان ينبغي أن يحرمها عليه لا يفرق بينهما، فلما فرق بينهما دل على بقاء النكاح، وأن الثلاث لم تقع جميعا، بخلاف ما إذا قيل: إنه يقع بها واحدة رجعية فإنه يمكن فيه حينئذ أن يفرق بينهما.
وقول سهل بن سعد: فأنفذه عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دليل على أنه محتاج إلى إنفاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - واختصاص الملاعن بذلك ولو كان من شرعه أنها تحرم بالثلاث لم يكن للملاعن اختصاص ولا يحتاج إلى إنفاذ، فدل على أنه لما قصد الملاعن بالطلاق الثلاث أن تحرم عليه أنفذ النبي - صلى الله عليه وسلم - مقصوده بل زاده، فإن تحريم اللعان أبلغ من تحريم الطلاق، إذ تحريم اللعان لا يزول وإن نكحت زوجا غيره، وهو مؤبد في أحد قولي العلماء لا يزول بالتوبة.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: بعد ذكره لاستدلال البخاري بحديث عويمر، ووجه الدلالة والاعتراض عليها، والجواب عن الاعتراض من وجهين، وكل ذلك سبق نقله عن النووي إلا الوجه الثاني، قال (?) وبأن الفرقة لم يدل على أنها بنفس اللعان كتاب ولا سنة صريحة ولا إجماع.