ولا ينقض هذا بقوله تعالى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (?) وقوله - صلى الله عليه وسلم - «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين (?)».
فإن المرتين هنا، هما الضعفان، وهما المثلان، وهما مثلان في القدر، كقوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} (?). وقوله تعالى: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} (?). أي ضعف ما يعذب به غيرها، وضعف ما كانت تؤتى، ومن هذا قول أنس: «انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين (?)» أي شقتين وفرقتين، كما قال في اللفظ الآخر: «انشق القمر فلقتين (?)» وهذا أمر معلوم قطعا: أنه إنما انشق القمر مرة واحدة، والفرق معلوم بين ما يكون مرتين في الزمان وبين ما يكون مثلين وجزأين ومرتين في المضاعفة، فالثاني يتصور فيه اجتماع المرتين في آن واحد، والأول لا يتصور فيه ذلك.
ومما يدل على أن الله لم يشرع الثلاث جملة أنه قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (?) إلى أن قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (?) فهذا يدل على أن كل طلاق بعد الدخول، فالمطلق أحق فيه بالرجعة، سوى الثالثة المذكورة بعد هذا.
وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (?). إلى قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (?) فهذا هو الطلاق المشروع، وقد ذكر الله سبحانه أقسام الطلاق كلها في القرآن، وذكر أحكامها فذكر الطلاق قبل الدخول وأنه لا عدة فيه، وذكر الطلقة الثالثة وأنها تحرم الزوجة على المطلق حتى تنكح زوجا غيره، وذكر طلاق الفدا الذي هو الخلع وسماه فدية، ولم يحسبه من الثلاث كما تقدم، وذكر الطلاق الرجعي الذي يحق للمطلق فيه الرجعة وهو ما عدا هذه الأقسام الثلاثة.
وبهذا احتج أحمد والشافعي وغيرهما على أنه ليس في الشرع طلقة واحدة بعد الدخول بغير عوض بائنة وأنه إذا قال لها: أنت طالق طلقة بائنة كانت رجعية وبلغوا بالبينونة، وأنه لا يملك إبانتها إلا بعوض، وأما أبو حنيفة، فقال: تبين بذلك لأن الرجعة حق له وقد أسقطها، والجمهور يقولون: وإن كانت الرجعة حقا له