بلغ الرسالة وأدى الأمانة عليه الصلاة والسلام على خير الوجوه وأكملها ونشهد له بذلك كما شهد له صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم.
وقد بين عليه الصلاة والسلام مناسك الحج وأعماله بأقواله وأفعاله، وكان خروجه من المدينة في آخر ذي القعدة من عام عشر محرما بالحج والعمرة قارنا من ذي الحليفة، وساق الهدي عليه الصلاة والسلام وأتى مكة في صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، ولم يزل يلبي من الميقات من حين أحرم من ذي الحليفة بتلبيته المشهورة: لبيك اللهم لبيك. . لبيك لا شريك لك لبيك. . إن الحمد والنعمة لك والملك. . لا شريك لك، بعدما لبى بالحج والعمرة عليه الصلاة والسلام، وكان قد خير أصحابه في ذي الحليفة بين الأنساك الثلاثة، فمنهم من لبى بالعمرة، ومنهم من لبى بهما، وكان - صلى الله عليه وسلم - يرفع صوته بالتلبية، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، ولم يزل يلبي حتى وصل إلى بيت الله العتيق وبين للناس ما يقولونه في الأذكار والدعاء في طوافهم وسعيهم في عرفات وفي مزدلفة وفي منى، وبين الله جل وعلا ذلك في كتابه العظيم؛ حيث قال جل وعلا: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (?) {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (?) إلى أن قال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (?) الآية.
فالذكر من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (?) الآية وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله (?)».