سمع ذلك أو بلغه من العلماء مخالفا فيه لكنه لم ينكر، لما تقرر عند العلماء من أن حكم الحاكم في واقعة عين اجتهادية يرفع الخلاف ويجب إمضاؤه، وعلى هذا لا تصح دعاوى الإجماع فيما تقدم ذكره في الآثار من الأحكام، ولهذا أمثلة كثيرة، منها قضاء عمر في المشركة أولا بحرمان الأشقاء، لاستغراق الفروض كل التركة، وقضاؤه في مثلها ثانيا بتشريك الأشقاء مع الإخوة من الأم في سهمهم، ولم يكن سكوت الصحابة عن حكمه الأول إجماعا، وكذا لم يكن سكوتهم عن حكمه الثاني إجماعا، ولذا استمر الخلاف بين العلماء حتى اليوم في حكم هذه المسألة، فمنهم من رأى الصواب في حكمه الأول، ومنهم من رأى الصواب في حكمه الثاني.

ومن ذلك ما ورد في المدونة مسألة الغيلة من أن سحنونا قال لابن القاسم: أرأيت من قتل قتل غيلة ورفع إلى قاض من القضاة فرأى ألا يقتله، وأن يمكن أولياء المقتول منه. ففعل فعفوا عنه، ثم استقضى غيره فرفع إليه، أفترى أن يقتله القاضي الثاني أم لا يقتله؛ لأنه قد حكم به قاض قبله؟ في قول مالك، قال: (لا أرى أن يقتله؛ لأنه مما اختلف الناس فيه) 1هـ (?).

فهذا ابن القاسم مع كونه يرى أن عقوبة القتل غيلة من باب الحدود لا القصاص منع أن يحكم قاض بحد من قتل غيلة بعد أن حكم قبله قاض يخالفه في الرأي بقبول العفو. فكيف يصح مع ذلك وأمثاله دعوى الإجماع بمجرد السكوت على حكم في قضايا الأعيان.

هذا ما تيسر، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس

عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015