وقد يخطئ من يظن أن الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين انتهى بانتهاء الحروب الصليبية، وإنما هو باق إلى يومنا هذا، وإن كان قد أخذ شكلا مغايرا لما كان عليه، فإن من أبرز مظاهره اليوم هو تنصير المسلمين، تلك الحركة الخبيثة التي باتت تستشري في بعض بلدان العالم الإسلامي لاستئصال الإسلام نهائيا من النفوس.
يقول المبشر رايد: " إنني أحاول أن أنقل المسلم من محمد إلى المسيح، ومع ذلك يظن المسلم أن لي في ذلك غاية خاصة، أنا لا أحب المسلم لذاته، ولا لأنه أخ لي في الإنسانية، ولولا أنني أريد ربحه إلى صفوف النصارى لما كنت تعرضت له لأساعده ".
ويقول المبشر الألماني " كارل بكر ": " إن الإسلام لما انبسط في العصور الوسطى أقام سدا في وجه انتشار النصرانية، ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجان المسيحية ".
ومن هنا يتضح أن حركة التنصير التي تقوم بها المسيحية اليوم في بلاد المسلمين، ما هي إلا إحدى مفرزات الحركات الصليبية إبان القرون الوسطى، وإن كانت الحروب الصليبية قد استهدفت قديما عداء سافرا وهجوما مباشرا على الحرمين الشريفين، وأثبتت في ذلك فشلا ذريعا، فإن خلفاء الصليبيين اليوم من المبشرين بالمسيحية قد غيروا من هذا الأسلوب المباشر بعد أن ثبت لأسلافهم فشله، وعولوا على اتباع أسلوب أكثر خبثا يتسم بالمرونة والملاينة، فهم لا يودون تهييج المسلمين بالطعن في مقدساتهم، وإنما يخمدون وهجها من قلوبهم بمخطط رهيب ينفذ بكل دقة، ويقوم على مرحلتين أساسيتين: تبدأ الأولى بأعمال التذبذب، ثم تسلم إلى المرحلة الثانية، والتي سموها بأعمال الهدم، ويوضح لنا المبشر الفرنسي " شاتليه " أبعاد هاتين المرحلتين في مقدمة كتابه " الغارة على العالم الإسلامي " يقول عن المرحلة الأولى: " ولا ينبغي أن نتوقع من جمهور العالم الإسلامي أن يتخذ له أوضاعا وخصائص أخرى إذا