ب) الصليبيون وإعلاء المقدسات المسيحية:
كان المد الإشعاعي للحرمين الشريفين كما عرفنا بعيدا وعميقا حتى بدد دياجير الظلم والإلحاد في بقاع كثيرة من المعمورة، وأنقذ شعوبا كانت مقهورة تحت سلطان الكنيسة في العصور الوسطى، واعتنقوا الإسلام عن رغبة واقتناع أكيدين، كان من أبرز مظاهره ارتباط تلك الشعوب بالأماكن المقدسة الإسلامية وإعراضهم عن الكنيسة، ومقدساتها المزعومة، مما أوجد قلوب رجال الدين الأوروبيين على الإسلام ومقدساته، مما زاد من غضبتهم الغاشمة ذلك الاحتكاك الثقافي والفكري الذي تأثرت به بعض الشعوب الأوروبية عن طريق الأندلس والشمال الإفريقي وصقلية وجنوب إيطاليا، وحاول هؤلاء المتأثرون إقامة حياتهم في أوروبا على ضوء المفاهيم والقيم والمعارف التي وجدوها عند المسلمين، ولكن الكنيسة وقفت ضد هذه الحركة العلمية التي بدأت تأخذ طريقها إلى سائر الشعوب الأوروبية لسببين:
الأول: خوفها على مكانتها في نفوس الأوروبيين، إذ بانتشار العلم يزداد وعي الشعوب، وتتفتح أعينهم على خرافات رجال الدين المهيمنين على حياة هذه الشعوب آنذاك.
ثانيا: خوفها من انتشار الإسلام مع الحركة العلمية المنقولة عن الجامعات الإسلامية وعلمائها.
ولكي تضع الكنيسة حدا لمؤثرات الإسلام الفكرية والعلمية التي باتت خطرا يهدد مصالحها؛ انبثقت الدعوة للحروب الصليبية، وحشدت لحروب المسلمين أعدادا غفيرة من رجالات الدين والحاقدين على الإسلام من كافة أرجاء القارة الأوروبية، وأضفوا عليها طابعا مقدسا، وسموها بالحروب المقدسة، وقد ظلت تلك الحروب قرابة قرنين من الزمان من القرن الحادي عشر إلى الثالث عشر الميلادي جاثمة بكلكلها على جناحي الأمة الإسلامية في المشرق والمغرب على السواء، وفي آن واحد،