يحملون نسخا من الموطأ بعد أن درسوه واستظهروا أحكامه، ولم يمض وقت طويل حتى تأسست مدرسة قرطبة الفقهية (?) التي شاركت أختها القيروانية الفكر الديني، والأخذ بآراء أهل السنة والجماعة، وبادلوهم التأثر والتأثير في كثير من القضايا الفكرية والدينية والسياسية، الأمر الذي أدى إلى تساند أهل السنة في البلدين في إطار الوحدة العقدية لمذهب عالم المدينة للوقوف في مواجهة فتنة المذاهب الدخيلة، ولا سيما المذهب الإسماعيلي الذي ابتلي به البلدان المسلمان.
فقد حاول الفاطميون فرض مذهبهم بشتى الوسائل، وذلك في إطار خطتهم الشاملة لحكم العالم الإسلامي، ولكن أهل السنة في هذه البلاد لم يستسلموا مطلقا، وشرعوا يواجهون دعاة المذهب الإسماعيلي مواجهة سطرها التاريخ بأحرف من نور، إذ انبرى فقهاء المالكية في البلدين يناظرون فقهاء الباطنية مناظرات علمية كتبت لها الظفر والتفوق، ومكنتهم من كشف أضاليلهم أمام الناس، ولم تقتصر المواجهة على المناظرات العلمية، وإنما اتخذت أشكالا أخرى منها المقاطعة الجماعية، والمواجهة العسكرية حتى فشل الفاطميون في نشر مذهبهم في المغرب والأندلس، وكان هذا سببا من الأسباب التي اضطرتهم للرحيل نحو بلاد المشرق واحتلال مصر.
إذن كان الدور الفكري للمسجد النبوي وعالمه مالك كبيرا، إذ امتد تأثيره وإشعاعاته الإيمانية ليصون أمة إسلامية في الشمال الإفريقي والأندلس من خطر النحل الضالة، والاتجاهات الهدامة، فقد ظل ذلك المذهب حتى يومنا هذا قلعة حصينة من قلاع أهل السنة، ومنبرا من أهم منابر الفكر الإسلامي الصحيح في هذه البلاد.