أولا: المكانة التاريخية والفكرية للحرمين الشريفين

اقتضت حكمة الله أن يجمع الموحدين من البشر على قبلة واحدة، فأوحى الله إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل - عليه السلام - أن يقيم قواعد البيت العتيق ليكون أول بيت يذكر فيه اسمه، وليكون أيضا مثابة للناس وأمنا، تشد الناس إليه الرحال من كل فج عميق.

{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (?).

وقد شاء الله تعالى أن يبقى هذا البيت مصدرا للإشعاع والنور الرباني منذ أن أقيمت قواعده إلى أن تقوم الساعة، وجاءت الرسالة المحمدية بحكم أنها خاتمة الرسالات لتقر هذا المعنى وتؤكد هذه الحقيقة، إذ أمر المولى تعالى رسوله الكريم بالتوجه إليه في الصلاة بعد أن توجه إلى بيت المقدس ما يقرب من ستة عشر شهرا؛ وذلك ليعيد لأمة التوحيد متمثلة في الأمة المحمدية قيادة ركب البشرية وهدايتها، يقول الله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (?).

فلا غرو بعد هذا أن تكون قبلة أبي الأنبياء " إبراهيم خليل الرحمن " رمزا للتوحيد، ومظهرا حقيقيا للإيمان، تشرئب إليها القلوب، وتتطاول إليها أعناق المسلمين؛ لأنها مظهر وحدتهم، وسر اجتماع كلمتهم، ومحور شعائرهم، وقد أكد القرآن الكريم هذه المعاني في قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (?).

ومن هذا المنطلق أرسى النبي - صلى الله عليه وسلم - للبيت العتيق رسالته الصحيحة، وسن للمسلمين شعائر حجهم على أكمل وجه، وجعلها ركنا أساسيا من أركان الإسلام لا يكتمل إسلام المرء بدونه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015