فصل: الحال الثاني. ما يحتاج فيه إلى مؤنة فحكم المرتهن في الانتفاع به بعوض أو بغير عوض بإذن الراهن كالقسم الذي قبله، وإن أذن له في الإنفاق والانتفاع بقدره جاز؛ لأنه نوع معاوضة.
وأما مع عدم الإذن فإن الرهن ينقسم قسمين: محلوبا ومركوبا وغيرهما. فأما المحلوب والمركوب فللمرتهن أن ينفق عليه ويركب ويحلب بقدر نفقته متحريا للعدل في ذلك. نص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم وأحمد بن القاسم، واختاره الخرقي وهو قول إسحاق، وسواء أنفق مع تعذر النفقة من الراهن لغيبته أو امتناعه من الإنفاق أو مع القدرة على أخذ النفقة من الراهن واستئذانه. وعن أحمد رواية أخرى: لا يحتسب له بما أنفق وهو متطوع بها ولا ينتفع من الرهن بشيء، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه (?)» ولأنه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به ولا الإنفاق عليه فلم يكن له ذلك كغير الرهن، ولنا ما روى البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة (?)» فجعل منفعته بنفقته، وهذا محل النزاع. فإن قيل: المراد به أن الراهن ينفق وينتفع، قلنا: لا يصح؛ لوجهين: أحدهما: أنه قد روي في بعض الألفاظ: «إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب ويركب النفقة (?)» فجعل المنفق المرتهن فيكون هو المنتفع. والثاني: أن قوله: (بنفقته) يشير إلى أن الانتفاع عوض النفقة وإنما ذلك حق المرتهن، أما الراهن فإنفاقه وانتفاعه لا بطريق المعاوضة لأحدهما بالآخر. ولأن نفقة الحيوان واجبة، وللمرتهن فيه حق وقد أمكنه استيفاء حقه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه، واستيفاء ذلك من منافعه فجاز ذلك كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه والنيابة عنه في