ولا خوف كأنهم في قصور الأمن والدعة وهو الذي رفع قدرهم وأسكن هيبتهم القلوب فكانوا ينصرون بالرعب يقذف به في قلوب أعدائهم. والتاريخ يخبرنا أنه من أول الاجتماع البشري إلى اليوم ما وجد فاتح عظيم ولا محارب شهير نبت في أوسط الطبقات ثم ارتفع بهمة إلى أعلى الدرجات وبلغ من بسطة الملك ما فيه العجب إلا كان معتقداً بالقضاء والقدر. سبحان الله. الإنسان حريص على حياته شحيح بوجوده على مقتضى الفطرة والجبلة فما الذي يهون عليه اقتحام المخاطر وخوض بحار المشاق والمهالك إلا اعتقاده بالقضاء والقدر وركون
قلبه إلى أن المقدر كائن لا محالة وقد أثبت التاريخ أن كورش الفارس (كيخسرو) ما حمله على الأقدام واقتحام غمرات الحروب التي فاز فيها بالنصر إلا اعتقاده بالقضاء والقدر وإن اسكندر الأكبر كان ممن رسخ في نفوسهم اعتقاد القضاء والقدر بل عدو نابليون الأول بونابرت من أشد الناس تمسكاً بعقيدة القضاء وهي التي كانت تدفعه فعسكره القليل على الجماهير الكثيرة. فنعم الاعتقاد الذي يطهر النفوس من الرذائل. ولا ننكر أن هذه العقيدة قد خالطها شوائب من عقيدة الجبر في بعض العامة وربما كان هذا سبباً في أحاطتهم بالمصائب التي أخذتهم بها الحوادث في العصور الأخيرة فرجاؤنا من العلماء العصريين أن يسعوا جهدهم في تخليص هذه العقيدة الشريفة من بعض ما طرأ عليها من لواحق البدع خصوصاً هذا المذهب الفاسد الذي نبه عليه الأستاذ وبين بطلانه فقد انتشر في كثير من بلاد الوجهين القبلي والبحري وفسدت به الأخلاق وتهافت عليه الرعاع والأوباش الفارغون من المعارف اغتراراً بشقشقة لا طائل تحتها