وامتدت إليهم الإطماع فأصبحوا بين مخلب المنون بدعوى توسيع الاستعمار وتعميم المدنية وقطع عروق الجهالة والخشونة من العالم وهي علل باطلة ودعاوٍ كاذبة يبعث على افترائها حب الاستبداد من أمم تدعي الحرية وهم لم يشموا لها رائحة إلى الآن. وبهذا الاهتمام بشأن الجند والأساطيل والحصون أصبح الكون يموج في بعض حدساً وتخميناً. ثم برز فرسان الأقلام في ميدان الإرهاب والتحذير والإيهام والتخويف والإنذار والوعيد فشغلوا الأفكار وتركوا الناس في حكم الفوضى يتجارون على مكاتب الجرائد والتلغرافات يتساءلون عن الأخبار اليومية والأقوال الوهمية وقد ارتجفت قلوبهم وبلغت الرهبة منهم مبلغ تصديق تلك الأيهامات فخافوا من تهديد هذا الوكيل ووعيد ناظر خارجية كذا وإنذار دولة كذا وزيادة الجند بين أمة كذا كأن تلك الأمور حقيقية محققة الوقوع وما هي إلا حروب وهمية التزمتها الدول تخفيفاً لمصرف الحروف وحقنا للدماء. فإن كل عقل يعلم أن الدول موزعة المطامع في العالم وكل دولة ترى أنها أحق بإقليم كذا لكونه طريقها إلى أملاكها والأخرى تقول بل أنا أحق به لكونه مجاوراً الأملاكي وفيه مصالحي وهذه تقول أن
هذا إقليمي وملكي الشرعي يشهد بذلك فلان وفلان وبهذا التخالف لا يمكن لأمة أن تسطو على أمة ولها رقيب يعارضها أو مثيل يدافعها إلا إذا اجتمع الدول على قسمة الكرة قسمة إفراز وانعقد إجماعهم على تعيين النقط وتحديد الحدود فإن المطامع تنقطع عند ذلك وتمتنع المعارضات خشية أن ينقض الجميع على المعارضة بحكم الاتفاق وهذه نقطة يعز الوصول إليها فإن كل دولة تمني نفسها بأنها ستكون مالكة لدنيا يوماً ما وما دامت هذه الأفكار جائلة في رؤوس رجالها أنه يستحيل الوصول