للجهل فقال له الحمل إنما أتكلم بالواقع المشاهد فقال الذئب لا ينبغي أن تسفه قولاً قلته وما عليك إلاّ أن تسمع وتطيع فمشى الحمل وهو يقول قاتل الله القوة ما أشد ولوعها يسلب حقوق الضعفاء.
معلوم أن الحرب المتداولة في العالم داعيتها نشر دين أو حب استبداد على الغير وقد تنوعت صور الحروب لإعدام الإنسان بقدر ما توصل إليه قوة الاختراع وما عند المعتدي من حب الأثرة والانفراد بالسلطة فكانت الحروب الأولى مضاربة بالعصيّ ثم مراشقة بالنبال ثم مطاعنة بالرماح ثم مجالدة بالسيوف ثم انتهت إلى المراماة بالبنادق والمقاذفة بالمدافع وكل نوع أخذ لُه دوراً وأعدم خلائق لا يحصون كثرة وترك لهُ في النفوس أقبح وقع وقد اخترعت الدول الآن نوعاً أخف كلفة وأكبر تأثيراً وهو الإيهام المحير للأفكار الموقع في الارتباك والاضطراب فأخذت كل دولة تزيد في جنودها وتعبئُ الجيوش وتحشدها في حدودها وتصدر الأوامر بعمل الاستحكامات وبناء السفن وتكثير الآلات وإعداد المهمات ولا حديث لكل دولة بين وزرائها ونوابها إلا الاستعداد للحرب حتى إن من نظر إلى الأهبة التي عليها أوروبا الآن وصوّر أنها أثارت الحرب يوماً ما أيقن أن نصف العالم على وشك العدم ومعظم العواصم عرضة للدمار والخراب. ومعلوم أن كل دولة مطالبة بحق وأخذ ثار أو متوقعة هجوم جارتها عليها فالخوف واقع في كل أمة من سكان الأرض وليس هناك أمة تبيت تحت سماء الأمن حتى همج أواسط أفريقية فإنهم وصلتهم عدوى أوروبا