وذلك مما يدعو إلى التفنن باختراع الآلات الحربية التي يترتب عليها حماية الذمار ودفع الأخطار.
وبناء على ذلك تكون الحرب قد نشأت من الإنسان وترقت بترقيه في كل زمان وهي باعتبار أسبابها علة سارية في جسم المجتمع العالمي لا سبيل لاستئصال جراثيمها المتولدة في الجمعيات الإنسانية إلا بأحد أمرين أما بوضع قوانين أشبه بالقوانين الموضوعة للأفراد ترتبط بها الأقوام كارتباط الأفراد فتلزم كل قوم بمراعاة جانب الحق وأما بوقوف الإنسان عند حد الواجب ومعرفته ماله وما عليه. فالأول يحتاج على قوة تقوم بتنفيذ ذلك القانون كالقوة الحاكمة التي تتولى فصل المشاكل بين الأفراد طوعاً كان أو كرهاً والثاني يتوقف على بلوغ المرء من المدنية درجة تقف به عند حد الكمالات الإنسانية.
ولما كان الإنسان مفطوراً على الطمع وطلب المزيد دائماً ولو بلغ من الارتقاء ما بلغ كان كلا هذين الأمرين ممتنع الحصول بين الناس. أما الأول فلأننا نرى الحاكم الذي يتولى فصل الخصومات بين الأفراد لو حكم على أحد بمقتضى القانون أن يدفع حقاً لآخر مثلاً ثم تركه لاختياره في قبول ذلك الحكم أو رفضه لاختار الرفض على القبول بلا كلام فحينئذٍ تنفي الفائدة المقصودة من وضع القانون لو لم تكن وراءه قوة تجبر على تنفيذ مقتضياته وهي القوة الإجرائية التي هي في غير شخص ذلك الحاكم مما اختص به رجال التنفيذ المكلفون باتخاذ وسائله التي رتبها لهم القانون وإذا كان القانون قائماً بالقوة بين الأفراد فما بالك به بين العموم لا جرم أنهُ يستحيل