أوامرهم بإحراقها والتفتيش على المشتغلين بها لتعذيبهم أو قتلهم مع أنها ما جاءتهم إلا عن سابقيهم ولا كتبت إلا بيد أئمتهم كالغزالي والرازي والفارابي وغيرهم فارتحل العلم إلى أوروبا بسبب هذا العدوان وأخذ نجم الدولة الإسلامية في الأفول بكثر الجهل في الأمة وكثر المتغلبون والممزقون لمجدها إلى أن أفرغت تلك الدول إلى الدولة العلية العثمانية وكان بالبلاد بقية من العلماء فسلك الخلفاء مسلك الحكمة وفتحوا المدارس وحشدوا فيها من المتعلمين ألوفاً حتى تخرج في مدرسة بروسة (بورصة) كثير من العلماء وصاروا أساتذة في مدارس عديدة اعتنى بها ملوك بني عثمان أيدهم الله تعالى حتى أن السلطان مراد مع كونه كان لا يقرأ فإنه وسع دائرة المعارف ورحّل قاضي زادة إلى سمرقند لتعلم العلوم الرياضية التي كان بين العلماء وبينها عدواة كبرى وبتركها فقدت الهيئة الاجتماعية الإسلامية قوتها وتعددت كلمتها وتقهقرت مدنيها ولو بقيت على ما كانت عليه في الصدر الأول من الاشتغال بالعلوم الدينية والرياضية والطبيعية لعجز العقل عن تصوّر ما كانت تصير إليه من الضخامة والعظم والقوّة والسطوة. وقد تنبه بعض الولاة وعلم أن القوة لا تكون إلا بالتربية فأخذ يسعى خلف تعميم التعليم وفي مقدمة كل ذي همة وعناية بالتعليم نزيل الجنة وضيف الرحمن المرحوم.
محمد علي باشا
فإنه عندما تولى مصر في 19 محرّم سنة 1219 وجد التربية قاصرة على معرفة القراءة وحفظ القرآن الشريف في المكاتب الصغيرة وأما كتب الفقه والنحو والحديث وغيرها من العلوم الدينية فإنها تقرأ في الأزهر