الإدارات التي فوضت أعمالها إلى رؤسائها تفويض إطلاق فدخلها من الخلل ما لا يحتاج لبيان. وذلك ناشىء عن تبديد السلطة وكف أيدي العمال الوطنيين عن مداركة الخل بحصر السلطة في الأجانب. وهؤلاء لا علم لهم بأخلاق أهل البلاد وعوائدهم فاشتغلوا بما حسنته له عقولهم وظنوا أنهم ينقلون المصريين إلى ما يرونه دفعة واحدة فعز عليهم الوصول إلى الغاية المقصودة لهم وتعذر عليهم الرجوع لما كان عليه المصريون. وبهذه الحيرة ترددت الأعمال بين داعية النظام وجاذبة الخلل كل هذه المدة ولم تتحصل مصر على طريقة يمكنها أن تعيش بها آمنة من التغيير والتبديل وخلل الإدارات وليس ذلك لضعف جميع القائمين بالتنظيم والتحسين بل لتسليم الأعمال إلى من لم يفهموا مراد الرؤساء. ويستحيل أن يتم النظام على أيدي الناس لا رابطة بينهم وبين المحكومين ولا أمل لهم إلا الاسترزاق أو تمكين سطوتهم ولا نقول أن انكلترا ما أرادت من مصر إلا الفساد والخل وغنما نقول أنا أرادت الإصلاح والانتظام ولكنها لما وضعت بعض الإدارات في أيدي الجاهلين بأحوال البلاد وعضدتهم بجموع مختلفي الجنسية والتابعية وهجمت بهم على الأعمال من غير تأن حصل ارتباك في الأعمال واندهاش للأهالي وتنوع الارتباك بتنوع أفكار القائمين بالأعمال الجاهلين بأحوال الأمة والبلاد إذ لا يلزم من اتساع علم الأجنبي في الحساب أو الترجمة أن يكون ذا خبرة بإدارة أحكام وأمور بلاد يجهل كل ما
فيها ولا يلزم من أول دراسة الأجنبي لأحوال البلاد أن يكون اعلم بها من أهلها فأن تصور ذلك محض تعصب لا يقبله العقل بل أن الرجل من أهل البلاد المدرب على أعمالها أعلم بإدارة أمورها