وربما وجدته مديناً وقد لا يكون له عائلة أكثر من زوجة وخادمة وخادم وما جره للحرمان من كسبه إلا السرف الغربي فلو أخذنا من محسنات الغرب ما لا بد منهُ واقتصرنا على ما يوافق أخلاقنا وعاداتنا لحفظنا لأنفسنا حتى الانتفاع بثمرة الاقتصاد الشرقي ولكن طرنا حوْل الأهواء وجرينا خلف المرئيات المزخرفة الظاهر وتتبعنا سير الغربي فجاريناهُ حتى سبقناهُ وأصبحنا نعض الأنامل من الغيظ ونضرب الكف بالكف أسفاً وندماً وهيهات هيهات إن نفع الندم مع التمادي على هذا التهالك في السرف اللهم إلا إن تداركنا بقية صارت على شفى جرف الضياع وما ذلك على الله بعزيز.
يعلم الناس أن النفوس تشتاق للأمر الواقع أكثر من اشتياقها إلى المتخيل وقد كنت أتناظر في اختفائي مع صديق غربي فإن غاب عني يوماً أخذت أتكلم مع خادمي وكان غلاماً أمياً فارغاً من الآداب لا يعرف إلا ما أخذه عن والدته وما تلقاه عن أمثاله فعلمته الكتابة وهذبته ولقنته ما يلزم لمثله وقبل وصوله لهذه الدرجة جرت بيني وبينه محاورات في مواد كثيرة وذلك أني كتبت كلمات من باب المثل السائر أو الحِكَم وأخذت أقرؤُها عليه وأفهمه مهناها فكان يصدر منه ما يحرك الحليم للغضب وأصبر رجآه وصوله إلى التهذيب. وهذه الطريقة التي التزمتها في تهذيبه أسهل تناولاً من كتاب مؤلف في هذا الباب ولهذا عزمت على نشر تلك المحاورات لاشتمالها على فنون أدبية شتى في طي