بالنسبة إلى الأمراء والأغنياء أما الفقراء فقد تركوا الطاجن والصحفة واستعملوا الأطباق الصينية والأواني الرقيقة التي لا يمكنهم التحفظ عليها لعدم معرفتهم بترتيب البيوت فيلقون الأواني في وسط البيت وفي جانب الحائط فتدوسها البهائم وتكسرها فيشترون غيرها وقد توسعوا في المآكل إلى حد لا يطيقون البقاء عليه لعدم كفاية الواردات المالية لهذا الإسراف العظيم.
وقد أماتوا بهذا الإسراف الاقتصاد الشرقي فماتت معه ثروة الفوطية والفاخورية وتجار
البرام والزبادي والخراطون وصناع الملاعق والمغارف وتجار النحاس وحيي مقابلهم في المغرب. ولما لم تكفهم وارداتهم لاستحضار الآلات والمطاعم والمشارب الجديدة اقترضوا ورهنوا الأملاك والأطيان وكانت الغاية سكنى الغريب فيما بنوه وانتفاعه بما ملكوه ولو رأيت إسرافهم في الفرش والملابس لرأيت العجب فانتظر الأسبوع القادم تنظر عجائب الزمان وتميز بين الاقتصاد الشرقي والإسراف الغربي. نعم أن المحسنات المعاشية تألفها النفوس ولكن الإسراف فيها والتهالك عليها غير محمود إلا ترى أن الرجل كان يزرع العشرة فدادين أو الخمسة عشر فيعيش بمحصولها طول السنة مع إكرامه الضيفان كل ليلة ويدخر كثيراً من النقود ويزيد فدادينه بمشترى غيرها والآن يزرع المائة فدان ولا تراه إلا مقترضاً لا يجد من القوت إلا الضروري وما ذاك إلا بتركه الاقتصاد الشرقي. وترى المستخدم الأول كان يأخذ الألف قرش كل شهر وتجد عنده آغا للحريم وخدماً وحشماً ويشتري أملاكاً والآن يأخذ الحاضر الأربعين والخمسين جنيهاً ولا ترى في صندوقه شيئاً ولا يجدد عقاراً ينفعه