قال بعد ذلك ((فإذاً أيها الأخ المتعصب للضاد ليس لك أن تلومني إذا تركت لغتي إلى غيرها وأنت تعلم إن الإنسان مفطور على طلب التقدم)) وهو محق فإني لا ألومه على ترك العربية لأنه لا يصيبه شيء بتركها لكون الإنجيل نزل باللغة اليونانية وبترجمته بجميع اللغات لم يفقد من مؤداه شيئاً وإنما ألوم مسلماً يتهاون في لغته تهاوناً ينسيه إياها فينسى القرآن الذي لو ترجم بأفصح لغة أجنبية لجاء عبارة عن حكاية يقتدر على إنشائها أي كاتب ولضاعت بلاغته العربية وما فيه من الأنواع البديعية والاستعارات والتشابيه والمترادفات والمشتركات والتقييد والاطلاق والتعميم والتخصيص والسجع والإرسال والحذف والإضمار والإيجاز والاطناب والتعريض والتليمح ورقة المعنى وسهولة اللفظ وغرابة التركيب وغير ذلك مما لا يتأتى وجوده في ترجمة أية لغة إلا بتكلف وتعبير سخيف كما هو معلوم في النسخ المترجمة إلى الإنكليزية وغيرها مما لا يتناسب مع القرآن العربي في شيء مطلقاً ثم أشار الفاضل في رسالته إلى قضيتين يبكت بهما القائمين بأمور الأمم الشرقية ضمناً حيث قال: ((اذهب إلى دوائر أحكامنا ومراكز وانظر بكم بؤجر الكاتب الضادي والكاتب الدالي. ثم ألف لك كتاباً واجعله كله ضاداً واصرف فيه عمرك
واعرضه على قومك فترى ما لبضاعتك من رواج)) فالقضية الأولى لا توجب ترك اللغة لأن الأمة ليست كلها في دوائر الحكومة ولا متجرة مع أوروبا وإنما لجأ بعض الأمة إلى تعلم اللغات الأجنبية سوء تصرف بعض الحكام فبدل أن يتكلف الأوروبي المنتقل إلى بلادنا اتجاراً واستيطاناً تعلُّم لغتنا ليعاملنا أو يخاطبنا بها علمواهم بعض الأمة ليخدم الأوروبي ويساعده على نفوذه