وانقطعوا عن العالم بالمرة ومنهم من اقتصر على الإقامة بين أولاده ومنهم نفر قليل اشتغلوا بالمعارف واضطرهم تيار المجتمع المدني إلى الانحدار معهم في غالب الأوقات وقلَّ أن يجتمع جماعة للبحث فيما ينفع الأمة أو الدولة لعلم العقلاء إن أبحاثهم غير معوَّل عليها ولا ملتفت لانصراف معظم الأمة إلى الشهوات فهذه هي السباب التي قدمت
أوروبا ونشرت ألوية التقدم في جميع جهاتها وبالوقوف عليها عرفنا العلل التي أخرت الممالك الشرقية على اختلاف مواقعها وأوقعتها في فخاخ أوروبا وعلمنا أن الدين الإسلامي والأديان الشرقية لم تكن السبب في التأخر كما يزعم كثير من الطائرين حول دهاة أوروبا بل أن الدين الإسلامي كان السبب الوحيد في المدينة وتوسيع العمران أيام كان الناس عاملين بأحكامه. والجوُّ هو هو الذي كان فيه المتقدمون من المصريين والفنيقين والفرس والهنود والعرب والترك وقد تحققنا أن التأخر إنما جاء من تعميم الجهالة باغضاء الملوك عن وسائل التعليم والتضيق على أرباب الاقلام والأفكار وبعد الاغنياء عن الجمعيات وتقاعدهم عن ضروب التجارة والنصاعة والزراعة ورضاهم بالبقاء تحت الشهوات فإذا أطلق الملوك حرية الأفكار والمطبوعات تحت المرابة وبذل الأغنياء الذهب في حياة الصنعة وتعميم المعارف في المدن والقرى ومساعدة العلماء على الرحلة خلف حياة العلم واجتمعت كلمة الملوك والوزراء والأمم على السعي خلف التقدم أمكنهم أن يوقفوا تيار أوروبا شيئاً فشيئاً حتى يضارعوها قوَّة وعلماً. وإلا إذا تركوا هذه الأسباب وبقوا على ما هم فيه من التقاطع والتحاسد والجهالة كان من العبث في الاندية وتمشدقهم بقول بعضهم لبعض بم تقدم الأوروبيون وتأخرنا والخلق واحد.