بالانفراد فيه احدثوا مجالس الوزراء والشورى التي تقيدت بها الممالك ظاهراً فالقت اوزراها على عواتق أعيان الأهالي ومنتخبيهم لتستمد من أفكارهم مابه يحسن النظام وتبقى المملكة حية بحياة قواها العاملة وصار للأمم الثقة بملوكهم ووزرائهم لعلمهم أنهم لا يصرفون شيئاً ولا يحدثون عملاً ولا يبرمون أمراً إلا بمشورة نوابهم وبتبادل الأفكار بين الوزراء والنواب ظهرت ثمرات عظيمة واشتد عضد الدول وعظمت قوتها واتسعت تجارتها ومعارفها وكثر المرشحون للأعمال والإدارات العالية بالتربية في المجالس. وقد اخطأ الشرقيون هذا الطريق بسبب الجهالة التي عمت الأمم الشرقية فلم يكن عند ملوكهم ثقة باعيانهم ووجهائهم ولا يحبون كثرة العقلاء خوفاً من التغلب الذي يحلم به كل ملك شرقي وهو وهم لا حقيقة له ولذا نراهم إذا نبغ في ممالكهم أناس وضعوهم تحت سوط التضييق حتى يبغض الغير طريق العقلاء والنبهاء فراراً من الوقوع فيما وقعوا فيه من البلاء والعناء.
السبب السادس الفرعي
انتجت تربية الأمم على المعارف أحداث أندية السَّمر والتجارة فاتخذت المجالس العديدة لاجتماع أهل الأفكار ممتزجين ببعض الضعفاء لينقلوا عنهم ويتربوا تحت أحضانهم وفي تلك المجالس تدور الأحداث على الأمم والممالك وأعمال الملوك وأخلاق العالم وتاريخ العمران فكانت هذه المجالس روحاً ثانية في جسد المملكة المتحرك بروح الوزراء والنواب والعمال وقد علم الملوك حسن مقاصدهم فلم يصيقوا عليهم بشيء يحول بينهم وبين مدارسهم الأدبية. والشرقيون اخطأُوا هذا الطريق وجعلوا مجالسهم قاصرة على الغيبة والنميمة والسعي في أذية فلان ومعاكسة علاَّن والتحاسد والتباغض وتقبيح بعضهم بعضاً واللهو واللعب