وهو في مسجده فلما أدركتهم الصلاة قاموا ليصلوا جهة الشرق فاراد الصحابة التعرُّض لهم فمنعهم النبي وتركهم يصلون في حضرتة لغير قبلته وعلى غير ملته وليس بعد هذا مسلك لحرية الأفكار والأديان. ومنهم القائلون أن اختلاف الجنس مانع عظيم وهذا وإن كان له وجه ولكن هناك وحدات أُخرى تترك للجنس خصوصيات ومزايا لا تبعده عن الانقياد للسلطة الجامعة للأجناس. ومنهم القائلون إن الأديان سبب التخاذل الحاصل في العالم ولا سبيل لمنعه إلا بتركها جملة وإعدامها من الوجود وهذا الفريق مقلد لدهاة أوروبا الذين أفسدوا كثيراً من الأخلاق الشرقية بهذه النزهات والأوهام. مع أننا لو فرضنا عدم صحة الأديان وأنها وضعت نظامات في أيام الخشونة والجهالة ولا لزوم لها الآن مع وجود القوانين الوضعية لكان من الواجب احترامها واعتبارها فإن تأُثير وعدها ووعيدها في النفوس لا يبلغه قانون فإن الشخص يمكنه أن يفر من عقوبة القانون أما بالبعد عن موجبها وأما بالتحايل على تأويل مواده بالوسائط ولكنه لا يمكنه أن يفر من عقوبة الله باية حيلة على معتقده.
ولو ترك الناس وشأُنهم لأكل بعضهم بعضاً ولعجزت أية دولة قانونية عن ضبط أفرادها ولو كان لها في ذراع عسكري حارس. وما ساعد الملوك على النظام وبث الأمن إلا القانون الديني وما فتح الباب لأهل القوانين الوضعية إلا الشرائع الدينية. والدين هو الذي يحمل العسكري على بيع حياته في حرب دينية انتصاراً للدين وإقدامه في الحرب الدينية يفوق إقدامه في الحرب الملكية أضعافاً وما يدعوه للدخول في ساحة القتال إلا الطمع الأخروي الآتي به الدين. فلو علم العسكري أن