الهزل بالجد ترويحاً للنفوس وكان خصيصاً بالمرحوم شاهين باشا فكان يبره ويقربه منه في كل مجلس وقد قضى عمره في عز القناعة وشرف الزهد فيما في أيدي الناس لا يقبل إلا الهدايا من الأمراء وأعيان البلاد الذين لهم به تعلق وكان قوالاً له شعر نقي رقيق ونثر بليغ يستظرفه كل من عاشره ويستخفه كل من جالسه ما دخل مجلساً إلا دخله الأنس والسرور توفي رحمه الله ثاني ليلة من ربيع الثاني سنة 1310 بعد صلاته العشاء وآخر كلامه إنا لله وإنا إليه راجعون فاحتفل أهل دمنهور بجنازته وشهدها العلماء والحكام والأعيان وأفراد الناس ذكوراً وإناثاً حتى زاد المشاة أمامه عن ستة آلاف نسمة وقد رثاه صديقه الفاضل الماجد الشيخ حميدة سالم الدمنهوري بقصيدة 44 بيتاً اختصرناها لضيق الجريدة فمنها:
هو الموت كم يسطو وبالحركم يعدو ... فيلخصه شزرا يروح فلا يغدو
فما الخطب بين الناس إلا مهند ... بكف المنايا والنفوس له غمد
وما هذه الدنيا بدار إقامة ... وليس لمخلوق بها يعهد الخلد
فيا غافلاً والموت يرعى زمامه ... تنبه لموت في تأمله الرشد
تزود لدار لا يزول نعيمها ... وصفو صفاها دائم الخلد ممتد
وقدم من الفعل الجميل الذي به ... تطيب لك الذكرى وينتشر الحمد
فما الموت بالنائي عن المرئ لحظة ... ولم يدر إنسان عليه متى يعدو
وكل عزيز للمنون مذلل ... إليه وحر النفس فهو له عبد
فتبأ لموت قد عدا بأخذ العلا ... أبي فرج من راح يصحبه المجد
حليف المعالي أحمد الفضل من مضى ... وقد كان من أوصافه الحلم والزهد