من الصادقين.
(الأستاذ) لم ينظر الكتاب للحرية من هذه الحيثية وإنما هم ينظرون إليها من حيث التصرفات الشخصية فإذا وجدوا أمة تبيح تمتع كل إنسان بماله وتصرفه في أقواله وأفعاله التي لا تمس القانون قالوا أنها أمة حرة تحب الحرية وأن رأوا أمة مستبدة تحب الانفراد بالرأي ولا تبالي بالظلم في جانب غرضها الذاتي قالوا أنها أمة ظالمة محبة الاسترقاق فلا تمكن أحداً من التصرف في أمواله وأقواله وأفعاله إلا إذا كان في ذلك فائدة لها وهذا الذي جرت فيه أقلام العلماء في تعريف الحرية الإنسانية وعلى هذا فالحرية توجد في أمة باعتبار قانونها الحر وتعدم في أخرى باعتبار استبدادها والكلام في هذا الباب كثير سبقنا لتحريره جمع من الفضلاء أما ما ذكرتموه من خضوع بعض العوالم إلى البعض الآخر فهذا أمر يتوقف النظام عليه فلا تصلح الناس فوضى ولا الطبائع مسترسلة بل لابد من قواسر تقف بها المنفعلات عند حدودها وحوافظ تربط العوالم ربط وقاية وانتظام وفعل الله تعالى منزه عن العبث فما من فاعل ومنفعل إلا ووجوده لحكمة تارة نعرفها وتارة نجهلها لغموضها عن إفهامنا فراجعوا أنفسكم في ارتباط السفلى بالعلوي وتوقف وجود هذا على سبق وجود ذاك تجدوا أن الحرية المرادة لكم في العوالم غير ممكنة لوقوع الكون في التشويش والتعاكس إذا انعدمت الروابط وكان كل شيء فاعلاً بذاته غير منفعل ولا متأثر بغيره فلابد من الارتباط والانفعال بالجذب والتأثر ذلك تقدير العزيز العليم.