أقول لنفسي في الخلاء ألومها ... لك الويل ما هذا التجلد والصبر
أما تعلمين الخبر أن لست لاقياً ... أخي إذ أتى من دون أثوابه القبر
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
فتى كان يعطي السيف في الحرب حقه ... إذا هتف الداعي ويشقى به الجزر
وسخىَّ بنفسي أنني سوف أغتدي ... على إثره يوماً وإن نفس العمر
وقال أيضاً فيه:
تطاول ليلي لم أنمه تقلباً ... كأن فراشي حال من دونه الجمر
فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فقد بان مني في تذكره العذر
أحقاً عباد الله أن لست لاقياً ... بريداً طوال الدهر ما لألأ العفر
فتى إن هوى استغنى يخرق في الغنى ... فإن قل مالاً لا يؤدبه الفقر
فليتك كنت الحي في الناس باقياً ... وكنت أنا الميت الذي غيب القبر
فتى يشتري حسن الثناء بماله ... إذا السنة الشهباء قل بها القطر
كأن لم يصاحبنا بريد بغبطة ... ولم تأتنا يوماً بأخباره السفر
ولما نعى الناعي بريداً تغولت ... بي الأرض فرط الحزن وانقطع الظهر
عساكر تغشى النفس حتى كأنني ... أخو سكرة دارت بهامته الخمر
إلى الله أشكو في بريد مصيبتي ... وبثي أحزاناً تضمنها الصدر
قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً:
قذى بعينك أم بالعين عوار ... أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار
كأن عيني لذكراه إذا خطرت ... فيض يسيل على الخدين مدرار