الدنيا كأنها عروس منعمة بالغة كاملة ذات جمال ورونق فلا يزال الأمر كذلك أن تبلغ الشمس آخر السنبلة فحينئذ أقبل الخريف وأما الخريف فهو وقت نزول الشمس الميزان فعند ذلك استوى الليل والنهار مرة أخرى. ثم ابتدأ الليل بالزيادة وكما ذكرنا أن الربيع زمن نشوء الأشجار وبدء النبات وظهور الأزهار فالخريف زمان ذبول النبات وتغيير الأشجار وسقوط أوراقها فحينئذ برد الماء وهبت الشمال. وتغير الزمان ونقصت المياه. وجفت النهار وغارت العيون ويبست أنواع النبات وفنيت الثمار وأحرز الناس الحب وأثمر وعري وجه الأرض من دبيبها. وماتت الهوام وانجحرت الحشرات وانصرف الطير ويطلب الوحش البلدان الدافئة وأحرز الناس قوت الشتاء ودخلوا البيوت ولبسوا الجلود الغليظة من الثياب وتغير الهواء وصارت الدنيا كأنها كهلة قد ولت أيام شبلها إلى أن تبلغ الشمس آخر القوس وقد انتهى الخريف وأقبل الشتاء وأما الشتاء فهو وقت نزول الشمس أول الجدي فعند ذلك تناهى طول الليل وقصر النهار. ثم أخذ النهار في الزيادة واشتد البرد. وخشن الهواء وتعرى الأشجار عن الأوراق. وفنيت بطونها وفات أكثر النبات وانجحرت الحيوانات في أطراف الأرض وكهوف الجبال من شدة البرد وكثرة الأنداء. ونشأت الغيوم واظلم الجو وكلح وجه الزمان. وهزلت البهائم وضعفت قوى الأبدان. ومنع