لتفكر في هذه الأشغال وحده يوجب العناء غير أني أظن مباشرتها ليست كذلك. فألتمس منك أن تسدي إلي معروفك بأن تدق الآن ست دقات ليتضح مصداق ما قلت. فرضي الدقاق بهذا ودق ست دقات جرياً على عادته. فقال له الوجه حينئذ: ناشدتك الله هل أبدى لك ما باشرته الآن نصباً وتعباً. فقال الدقاق: كلا فإن مللي وتضجري لم ينشأ عن ست دقات. ولا عن ستين دقة. بل عن ألوف وألوف ألوف. فقال له الوجه: صدقت. ولكنه ينبغي لك أن تعلم هذا الأمر الضروري. وهو أنك حين تفكر في هذه الألوف بلحظة واحدة. فإن الذي يجب عليك منها إنما هو مباشرة دقة واحدة لا غير. ثم مهما لزمك بعده من الدق يفسح الله لك في أجل لإتمامه فقال الدقاق: أشهد أن كلامك هذا حاك في وأمالني. فقال الوجه: عسى بعد ذلك أن نعود بأجمعنا إلى ما كنا عليه من العمل. لأنا إذا بقينا كذلك يظل أهل المنزل مستغرقين في النوم إلى الظهر. ثم إن الأثقال التي لم تكن وصفت قط بالخفة ما برحت تغري الدقاق على الشغل حتى أخذ في مباشرة خدمته كما كان. وحينئذ شرعت الدواليب في الدوران. وطفقت العقارب تسير. حتى إذا ظهر شعاع الشمس في المطبخ المغلق من كوة فيه امتلأ الوجه ضياء وانجلى تعبيسه. كأن لم يكن شيء مما كان. فأما صاحب المنزل فلما نزل إلى المطبخ ليفطر فيه. نظر إلى الساعة المركوزة فقال: إن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015