في نفسه: إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه. فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله فطبخ له طعاماً وأكثر فيه من الثوم. فلما أكل البدوي منه قال لك احذر أن تقرب من أمير المؤمنين فيشم منك رائحة الثوم فيتأذى من ذلك فإنه يكره رائحته. ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به. وقال: يا أمير المؤمنين إن البدوي يقول عنك للناس: إن أمير المؤمنين أبخر وهلكت من رائحة فمه. فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة لثوم. فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال: إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح. فكتب أمير المؤمنين كتاباً إلى بعض عماله يقول له فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله. ثم دعا بالبدوي ودفع إليه الكتاب وقال له: امض به إلى فلان وأتني بالجواب. فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال: أين تريد. قال: أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان. فقال الوزير في نفسه: إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل. فقال له: يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار. فقال: أنت الكبير وأنت الحاكم ومهما رأيته من الرأي أفل. قال: أعطني الكتاب.