ودينارٌ حتى تردوا تلك الخرابات فاستتروا خلف بعض الجدر. فإذا رأيتم الشيخ قد جاء وبكى وندب وأنشد أبياتاً فأتوني به. (قال) فأخذتهما ومضينا حتى أتينا الخرابات فإذا نحن بغلام قد أتى ومعه بساطٌ وكرسيُ جديدٌ. وإذا شيخٌ قد جاء وله جمالٌ وعليه مهابةٌ ولطفٌ فجلس على الكرسي وجعل يبكي وينتحب ويقول هذه الأبيات:
ولما رأيت السيف جندل جعفراً ... ونادى منادٍ للخليفة في يحيى
بكيت على الدنيا وزاد تأسفي ... عليهم وقلت الآن لا تنفع الدنيا
مع أبياتٍ أطالها. فلما فرغ قبضنا عليه وقلنا له: أحب أمير المؤمنين ففرع فزعاً شديداً وقال: دعوني حتى أوصي بوصية فإني لا أوقن بعدها بحياةٍ. ثم تقدم إلى بعض الدكاكين فأستفتح وأخذ ورقةً وكتب فيها وصية وسلمها إلى غلامه. ثم سرنا به فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين فقال حين رآه: من أنت وبم استوجب منك البرامكة ما تفعله في خرائب دورهم. قال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن للبرامكة أيادي خطيرة عندي أفتأذن لي أن أحدثك بحالي معهم. قال: قل. فقال: يا أمير المؤمنين أنا المنذر بن المغيرة من أولاد الملوك. وقد زالت عني نعمتي كما تزول عن الرجال. فلما ركبني الدين واحتجت إلى بيع مسقط رأسي ورؤوس أهلي وبيتي الذي ولدت فيه أشاروا علي بالخروج إلى البرامكة فخرجت من