وأجدبت. وقل ماؤها وغارت عيونها. وذوى نباتها ويبس شجرها. فأصاب الفيلة عطشٌ شديدٌ. فشكون ذلك إلى ملكهن فأرسل الملك رسله ورواده في طلب الماء في كل ناحيةٍ. فرجع إليه بعض الرسل فأخبره قائلاً: قد وجدت بمكان كذا عيناً يقال لها عين القمر كثيرة الماء فتوجه ملك الفيلة بأصحابه إلى تلك العين ليشرب منها هو وفيلته. وكانت العين في أرض لأرانب فوطئنهن وهن في أحجارهن فهلك منهن كثيرٌ. فاجتمعن إلى ملكهن فقلن له: قد علمت ما أصابنا من الفيلة. فقال: ليحضر كل ذي رأيٍ رأيه. فتقدمت واحدةٌ من الأرانب يقال لها فيروز. وكان الملك يعرفها بحسن الرأي والأدب. فقالت: إن رأى الملك أن يبعثني إلى الفيلة ويرسل معي أميناً ليرى ويسمع ما أقول ويرفعه إلى الملك. فقال لها الملك: أنت أمينةٌ ونرضى بقولك. فأنطلقي إلى الفيلة وبلغي عنا ما تريدين. واعلمي أن الرسول برأيه وعقله ولينه وفضله يخبر عن عقل المرسل. فعليك باللين والمؤاتاة. فإن الرسول هو الذي يلين الصدور إذا رفق. ويخشن الصدور إذا خرق. ثم إن الأرنب انطلقت في ليلةٍ قمراء حتى انتهت إلى الفيلة. وكرهت أن تدنو منهن مخافة على الجبل بأرجلهن. فيقتلنها وإن كن غير متعمداتٍ. ثم أشرفت على الجبل ونادت ملك الفيلة وقالت له: إن القمر أرسلني إليك والرسول غير ملومٍ فيما يبلغ وإن أغلظ في القول. قال ملك الفيلة: فما الرسالة.