فأتفق أن غيض الماء فيبس الغدير. فجاءت البطتان لوداع السلحفاة وقالتا: اعلمي أيتها الصديقة المشفقة أن حال الدنيا الدنية آخرها الفرقة والقطيعة. وقد يبس ماء الغدير الذي هو سبب حياة المخلوقات وقد آن الرحيل ووقع الشتت بيننا. فلم نجد إلا الانتقال إلى غدير آخر. فلما سمعت السلحفاة هذا الكلام بكت ونادت بالويل والثبور وقالت: أيتها الصديقتان المشفقتان فما حيلتي أن أذهب معكما، وما سبب أن أكون معكما. قالت البطتان: نأخذك معنا ولكننا نخاف أن تتكلمي لأنك لم تملكي لسانك. قالت السلحفاة: الآن عهدت أن لا أنطق. فقالت البطتان: إذا رأى الخلق أننا حملناك وطرنا بك وتعجب كلهم على طيراننا بك وأخبر بعضهم بعضاً فعليك أن تصبري ولا تتكلمي بشيءٍ. ولا تنسى قول الفضلاء: إنه من صمت نجا. وقولهم: البلاء موكلٌ بالمنطق. وإن لم تصبري وتكلمت بشيءٍ فلا تلومن إلا نفسك. ويكون ذنبك عليك. فلما سمعت السلحفاة كلامهما قالت: لا أتكلم أبداً بل أتمسك بذكر الله فلن أكلم اليوم إنسياً. فلما أخذت البطتان عهداً على السلحفاة أتتا بقضيبٍ وقالتا للسلحفاة: أمسكي وسط القضيب بفمك وضمي شفتيك محكماً. ففعلت السلحفاة ما قالتا. ثم أخذت البطتان بطرفي القضيب على عنقهما. ثم طارتا في الهواء مع السلحفاة. فرأى بعض الناس ذلك وأخبر بعضهم بعضاً. ونادوا: يا عجباه. انظروا كيف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015