وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب. وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلها. وهذا ظلمٌ منه وعدوان. ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهرته خطب من كل جهةٍ. وعرضت عليه المناصب وجاءته الدنيا صاغرة فأخذ ما أهدته وماء وجهه موفورٌ. وعرضه ودينه مصونٌ.

واعلم أن للعلم عبقة وعزفاً ينادي على صاحبه. ونوراً وضياءٌ يشرق عليه ويدل عليه. كتاجر مسكٍ لا يخفى مكانه. ولا تجهل بضاعته. وكمن يمشي بمشعل في ليلٍ مدلهم. والعالم مع هذا محبوب أين ما كان. وكيف ما كان لا يجد إلا من يميل إليه. ويؤثر قربه ويأنس به. ويرتاح بمداناته.

واعلم أن العلوم تغور. ثم تفور. تغور في زمانٍ. وتفور في زمان. بمنزلة النبات أو عيون المياه. وتنتقل من قومٍ إلى قومٍ. ومن موضع إلى موضعٍ.

(قال) اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزاً فصيحاً في معنى مهم أو مستحسن. فيه إلغازٌ ما وإيهام كثيرٌ أو قليلٌ. ولا تجعله مهملا ككلام الجمهور بل رفعه عنهم ولا تباعده عليهم جداً.

(وقال) إياك والهذر والكلام فيما لا يعني. وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك. إما لاستخراج حق. أو اجتلاب مودةٍ. أو تنبيهٍ على فضيلة. وإياك والضحك مع كلامك. وكثرة الكلام. وتبتير الكلام. بل اجعل كلامك سرداً بسكونٍ ووقارٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015