35 قال حكيمٌ: وجدت مثل الدنيا والمغرور بالدنيا المملوءة آفات مثل رجل ألجأه خوفٌ إلى نئرٍ تدلى فيها وتعلق بغصنين نابتين على شفير البئر. ووقعت رجلاه على شيءٍ فمدهما فنظر فإذا بحيات أربع قد أطلعن رؤوسهن من جحورهن. ونظر إلى أسفل البئر فإذا بثعبان فاغرٍ فاه نحوه. فرفع بصره إلى الغصن الذي يتعلق به فإذا في أصله جرذان أبيض وأسود يقرضان الغصن دائبين لا يفتران. فبينماً هو مهتمٌ بنفسه ابتغاء الحيلة في نجاته إذ نظر فإذا بجانبٍ منه حجر نحلٍ قد وضعن شيئاً عن عسلٍ فتطاعم منه فوجد حلاوته. فشغلته عن الفكر في أمره والتماس النجاة لنفسه. ولم يذكر أن رجليه فوق أربع حيات لا يدري من تساوره منهن وأن الجرذين دائبان في قرض الغصن الذي يتعلق به وأنهما إذا أوقعاه وقع في لهوات التنين. ولم يزال لاهياً غافلاً حتى هلك. قال الحكيم: فشبهت الدنيا المملوءة آفات وشروراً ومخاوف بالبئر. وشبهت الحياة الأربع بالأخلاط الأربع التي في جسد الإنسان من المرتين والبلغم والدم. وشبهت الغصن الذي تعلق به بالحياة. وشبهت الجرذين الأبيض والأسود الذين يقرضان الغصن دائبين لا يفنران بالليل والنهار ودورانهما في إفناء الأيام والآجال. وشبهت الثعبان الفاغر فاه بالموت الذي لا بد منه. وشبهت العسلة التي تطاعمها بالذي يرى الإنسان ويسمع ويلبس فيلهيه ذلك عن عاقبة أمره. (لابن عبد ربه) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015