وله أيضا في الفتح بن خاقان وقد نزل إلى الأسد وقتله:
حملت عليه السيف لا عطفك انثنى ... ولا يدك ارتدت ولا حده بنا
فأحجم لما لم يجد فيك مطعما ... وصمم لما لم يجد عنك مهربا
وله فيه:
وما منع الفتح بن خاقان نيله ... ولكنها الأيام تعطي وتحرم
سحاب خطاني جوده وهو مسبل ... وبحر عداني فيضه وهو مفعم
أأشكو نداه بعد أن وسع الورى ... ومن ذا يذم الغيث إلا مذمم
والبحتري مكثر جدا وديوان شعره نشخ مختلفا بالزيادة والنقصان لأن شعره لا ينضبط لكثرته. قال البحتري: كنت أذم الشعر في حداثتي وكنت أرجع فيه إلى الطبع ولم أكن أقف على تسهيل مأخذه ووجوه اقتضابه حتى قصدت أبا تمام وانقطعت فيه إليه واتكلت في تعريفه عليه. فكان أول ما قال لي: أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم. ومن ذاك وقت السحر لأن النفس تكون قد أخذت بحظها من الراحة وقسطها من النوم. فإن أردت النسيب فجعل اللفظ رقيقا والمعنى رشيقا. وإذا أخذت في مدح سيد فأشهر مناقبه. وأظهر مناسبه. وأبن معالمه. وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الهجينة. وكن كأنك خياط تقطع الثياب على مقادير الأجسام. وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب. واجعل شهوتك إلى قول الشعراء الذريعة إلى حسن نظمه. فإن الشهوة تجمع النفس. وجملة الحال أن تعتبر نفسك بما سبق من شعر الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما تركوه فاجتنبه ترشد أن شاء الله تعالى. فأعلمت نفسي فيما قال فوفقت على السياسة.
ومن أخبار البحتري أنه كان بحلب شخص يقال له طاهر بن محمد الهاشمي مات أبوه وخلف له مقدار مائة ألف دينار فأنفقها على الشعراء والزوار في سبيل الله. فقصده البحتري من العراق فلما وصل إلى حلب قيل له أنه قد قعد في بيته لديون ركبته. فاغتم البحتري لذلك غما شديدا وبعث المدحة إليه مع بعض مواليه. فلما وصلته ووقف عليها بكى ودعا بغلام له وقال له: بع داري. فقال له: أتبيع دارك وتبقى على رؤوس الناس. فقال: لابد من بيعها. فباعها بثلاثمائة دينار فأخذ صرة وربط فيها مائة دينار وأنفذها إلى البحتري. وكتب إليه معها رقعة فيها هذه الأبيات:
لو يكون الحباء حسب الذي أن ... ت لدينا به محل وأهل
لحثيت اللجين والدر واليا ... قوت حثوا وكان ذاك يقل
والأديب الأريب يسمح بالعذ ... ر إذا قصر الصديق المقل
فلما وصلت الرقعة إلى البحتري رد الدنانير وكتب إليه:
بأبي وأنت والله للبر أهل ... والمساعي بعد وسعيك قبل
والنوال القليل يكثر إن شا ... ء مرجيك والكثير يقل