عليه بكاء لي نصفه. وحزنت عليه حزنا لنفسي شطره. وسألت الله تعالى أكرم مسئول. وأعظم مأمول. أن يفيض عليه من رحمته. ما يتمم به سهمه من نعمته. وأن يتغمد كل زلة ارتكبها برحمته. ويضاعف له كل حسنة اكتسبها بمنته. وأن يذكر له تلك الأخلاق الكريمة. وتلك المروءة الواسعة العظيمة. ثم تذكرت ما نزل بسيدي من الوحشة لفقده. والغمة من بعده. والتحسر على قربه ببعده. فخلص إلى قلبي وجع ثان أنساني الماضي. وثالث أنساني الثاني. حتى استفزع ذلك ما في صبري. بل ما في صدري. وحتى صار الوجع وجعين. والمصاب اثنين. ثم رجعت إلى أدب الله تعالى فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم لا شكاية لقضائك. ولا استبطاء لجزائك. ولا كفران لنعمتك. ولا مناصبة لقدرتك. اللهم ارحم الماضي رحمة تحبب إليه مماته. وابق الحي بقاء يهنيه حياته. واطبع على قلبه حتى لا يطيع داعية الجزع. ولا يضع عنانه بيد الهلع. ولا يثلم جانب الأجر والذخر بالإثم والوزر. ولا يجد عدوه الشيطان سبيلا إليه. ولا سلطانا عليه. اقتصرت من تعزية سيدي على هذا المقدار. لا جريا على مذهبي في الاقتصار والاختصار. ولكني لم أجد من لساني بسطة. ولا في قريحتي فضلة. ويحق لهذه الفادحة الحادثة أن تدع اللسان محصورا. والبيان مقصورا. أو أن تحدث في العقل خللا. وفي البيان شللا. وليعرفني سيدي خير ما هداه الله إليه من جميل العزاء. الذي لم يعدم جميل الجزاء. ليكون سكوتي إلى ما أعرفه من سلوته. أضعاف قلق كان بما ظننته من حرقته. وإن كنت اعلم أنه لا يخلي ساحة الحلم والعلم. ولا يخل بالواجب من التمسك بالحزم. ولا يحل عقدة صبره. ولا نتداعى أركان صدره. ولا يعمى الرشد في جميع أمره. وهذه شريطة الكمال. وسجية الرجال.

وكتب إلى قاضي سجستان حين نكبه أميرها

أما بعد أيد الله القاضي فإنه لم يحسن إلى غيره من أساء إلى نفسه. ولم ينصر أصدقاءه. من خذل حوباءه. وإنما يحب المرء أخاه بما فضل عن محبته لروحه التي له خيرها. وعليه ضيرها. وكانت محنة القاضي محنة شملت الأنام. وخصت الكرام. ووجب على كل من اشتم روائح العقل. وميز بين النقصان والفضل. أن ينفطر لها ألما. وأن يبكي عندها دما. وخلص إلي من ذلك ما أضحك مني الأعداء. وأبكى لي الأصدقاء. حتى غضضت طرفا طالما رفعته. وقبضت بنانا طالما بسطته. وحتى عزيت كما يعزى الثكلان. وسليت كما يسلى اللهفان. وأنا بعد ذلك استصعر فعل نفسي وهي جزعة هلعة. واستقل سعي عيني وهي سخية دمعة. وكان يجب على مقتضى هذه الجملة. وأساس هذه البنية. أن أحضر مجلس القاضي فأصابره نهارا وأساهره ليلا وتكون المحنة بيني وبينه أحملها عنه ويحملها عني. ولكني علمت أن والينا هذا رجل ينظر إلى الذنب الخفي. ويتغابى عن العذر الجلي. وله أذنان واحدة يسمع بها البلاغات وهي كاذبة. وأخرى يصم بها عن المعاذير وهي صادقة. وليس بينه وبين العفو نسب. ولا له إلى التثبت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015