ولي الأمور وسائس الحروب ربما نحى جنوده وفرق أمواله في غير ما ضيق أمر حربه ولا ضغطه حال اضطرته فيقعد عند الحاجة إليها وبعد التفرقة لها عديما منها فاقعد لها لا يثق بقوة ولا يصول بعدة ولا يفزع إلى ثقة. فالرأي لك أيها المهدي وفقك الله أن تعفي خزائنك من الإنفاق للأموال وجنودك من مكابدة الأسفار ومقارعة الخطار وتغرير القتال. ولا تسرع للقوم في الإجابة إلى ما يطلبون والعطاء لما يسالون فيفسد عليك أدبهم وتجرئ من رعيتك غيرهم. ولكن أغزهم بالحيلة وقاتلهم بالمكيدة وصارعهم باللين وخاتلهم بالرفق. وأبرق لهم بالقول وأرعد نحوهم بالفعل. وابعث البعوث وجند الجنود وكتب الكتائب واعقد الأولوية وانصب الرايات. وأظهر أنك موجه إليهم الجيوش مع أحنق قوادك عليهم وأسوئهم أثرا فيهم. ثم ادسس الرسل وابثث الكتب وضع بعضهم على طمع من وعدك وبعضا على خوف من وعيدك. وأوقد بذلك وأشباهه نيران التحاسد فيهم واغرس أشجار التنافس بينهم. حتى تملأ القلوب من الوحشة وتنطوي الصدور على البغضة ويدخل كلا من كل الحذر والهيبة. فإن مرام الظفر بالغيلة. والقتال بالحيلة. والمناهبة بالكتب والمكايدة بالرسل والمقارعة بالكلام
اللطيف المدخل في القلوب القوي الموقع من النفوس المعقود بالحجج الموصول بالحيل المبني على اللين الذي يستميل القلوب ويسترق