سورة غضبها الوافر ولجاجهما المديد ببسيط حلمه. ويعاملهما بما وقر في صدره من الوقار وسكن في قبله من السكينة. وإذا كان في هذه المدينة مالكنا فلا يفتى ومالك في المدينة.
هذا ما تراجع فيه المهدي ووزراؤه وما دار بينهم من تدبير الرأي في حرب خراسان أيام تحاملت عليهم العمل واعتفت. فحملتهم الدالة وما تقدم لهم من المكانة على أن نكثوا بيعتهم ونقضوا موثقهم وطردوا العمال والتوا بما عليهم من الخراج. وحمل المهدي ما يجب من مصلحتهم وبكره من عنتهم على أن أقال عثرتهم واغتفر زلتهم. واحتمل دالتهم تطولا بالفضل واتساعا بالعفو وأخذا بالحجة ورفقا بالسياسة. ولذلك لم يزل مذ حمله الله أعباء الخلاة وقلده أمور الرعية رفيقا بمدار سلطانه بصيرا بأهل زمانه باسطا للمعدلة في رعيته تسكن إلى كنفه وتأنس بعفوه وتثق بحلمه. فإذا وقعت الأقضية اللازمة والحقوق الواجبة فليس عنده هوادة ولا إغضاء ولا مداهنة إثرة للحق وقياما بالعدل وأخذا بالحزم. فدعا أهل خراسان الاغترار بحلمه والثقة بعفوه إن كسروا الخراج وطردوا العمال وسألوا ما ليس لهم من الحق. ثم خلطوا احتجاجا باعتذار وخصومة بإقرار وتنصلا باعتلال. فلما انتهى ذلك إلى المهدي خرج إلى مجلس خلائه وبعث إلى نفر من لحمته ووزرائه فأعلمهم الحال واستنصحهم للرعية. ثم أمر الموالي بالابتداء وقال للعباس بن محمد: أي عم تعقب قلونا وكن حكما بيننا. وأرسل إلى ولديه موسى وهارون فاحضرهما الأمر وشاركهما في الرأي وأمر محمد بن الليث بحفظ مراجعتهم وإثبات مقالتهم في كتاب
(فقال سلام صاحب المظالم) : أيها المهدي إن في كل أمر غاية ولكل قوم صناعة واستفرغت رأيهم واستغرقت أشغالهم واستنفدت أعمارهم. وذهبوا بها وذهبت بهم وعرفوا بها وعرفت بهم. ولهذه الأمور التي جعلنا فيها غاية وطلبت معونتنا عليها أقوام من أبناء الحرب وساسة الأمور وقادة الجنود وفرسان الهزاهز وإخوان التجارب وأطفال الوقائع الذين وشحتهم سحالها. وفيأتهم ظلالها.