بعد أن تعلق بالخدمة السلطانية على الحداثة وإقامته لرسم العلامة بحكم الاستبانة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة. وعرف فضله وخطبه السلطان منفق سوق العلم والأدب أبو عنان فارس ابن علي بن عثمان واستحضره بمجلس المذاكرة. فعرف حقه وأوجب فضله واستعمله على الكتابة أوائل عام ستة وخمسين. ثم عظم عليه حمل الخاصة من طلبة الحضرة لبعده عن حسن التأني وشفوفه بثقوب الفهم وجودة الإدراك. فأغروا به السلطان. فأصابته شدة تخلصه منها أجله إلى أن أفضى الأمر إلى السعيد ولده. فاعتبه قيم الملك لحينه وأعاده غلى رسمه ودالت الدولة إلى السلطان أبي سالم وكان له به الاتصال قبل تسوغ المحنة بما أكد حظوته. فقلده ديوان الإنشاء مطلق الجرايات محرر السهام نبيه الرتبة إلى آخر أيامه. ولما ألقت الدولة مقادها بعده إلى الوزير عمر بن عبد الله مدبر الأمر وله إليه وسيلة وفي حليه شركة وعنده حق رابه تقصيره عما ارتمى إليه أمله فساء ما بينهما بما آلي إلى انفصاله عن الباب المريني. وورد على الأندلس في أول ربيع الأول عام أربعة وستين وسبعمائة. واهتز له السلطان وأركب خاصته لتلقيه وأكرم وفادته. وخلع عليه وأجلسه بمجلسه. ولم يدخر عنه برا ومؤاكلة ومراكبة ومطايبة. وله التاريخ الكبير الذي سماه ديوان العبر وكتاب المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. وقد عرف في آخره بنفسه وأطال وذكر أنه لما كان بالأندلس وحظي عند السلطان أبي عبد الله شم من وزيره ابن الخطيب رائحة الانقباض فقوض الرحال ولم يرض من الإقامة بحال. ولعب بكرته صوالجة الأقدار. حتى حل بالقاهرة المعزية وتخذها خير دار. وتولى بها قضاء القضاة. ثم قدم على تمرلنك. فأكرمه غاية الإكرام وأعاده إلى الديار المصرية. وقد كان ابن خلدون هذا من عجائب الزمان. وله من النظم والنثر ما يزري بعقود الجمان. مع الهمة العلية. والتبحر في العلوم النقلية والعقلية. وكانت وفاته بالقاهرة. قال الحاج خليفة: ومقدمة ابن خلدون المشهورة هي الكتاب الأول من تاريخه المذكور آنفا وهي في العمران وما يعرض له. ولابن خلدون نظم رائق منه قوله يهنئ بعض الوزراء:
هنيئا بصوم لا عداه قبول ... وبشرى بعيد أنت فيه منيل
وهنئتها من عزة وسعادة ... تتابع أعوام بها وفصول
سقى الله دهرا أنت إنسان عينه ... ولامس ربعا في حماك محول
فعصرك مابين الليالي مواسم ... لها غرر وضاحة وحجول (للمقري)
إسماعيل بن علي بن شذي الملك المؤيد عماد الدين أبو الفداء صاحب حماة برع في الفقه والأصول والعربية والتاريخ والأدب وصار من جملة أمراء دمشق إلى أن كان الملك الناصر محمد بن قلاوون بالكرك بالغ في خدمته إلى أن وعده الملك الناصر محمد بسلطنة حماة