تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم. ما خلا هذه التنوخية التي أسس جدي اجتماعها وشد مملكتها ومنعها من عدوها. فجرى لها ذلك إلى يومنا هذا. وإن لها مع ذلك آثارا لبوسا وقرى وحصونا وأمورا تشبه بعض أمور الناس (يعني اليمن) . ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب الناس. قال النعمان: أصلح الله الملك. حق لأمة الملك منها أن يسمو فضلها ويعظم خطبها وتعلو درجتها. إلا أن عندي جوابا في كل ما نطق به الملك في غير رد عليه ولا تكذيب له. فإن أمنني من غضبه نطقت به. قال كسرى: قل فأنت آمن. قال النعمان: أما أمتك أيها الملك فليست تنازع في الفصل لموضعها الذي هي به من عقولها وأحلامها وبسطة حكمها وبحبوحة عزها. وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك. وأما الأمم التي ذكرت فأي أمة تقرنها بالعرب إلا فضلتها. قال كسرى: بماذا. قال النعمان: بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتها ووفائها. فأما (عزها ومنعتها) فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد ووطدوا الملك وقادوا الجند. ولم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل. حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم الأرض وسقوفهم السماء. وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر. إذ غيرهم من الأمم إنما عزها الحجارة والطين وجزائر البحور. وأما (حسن وجوهها وألوانها) فقد يعرف فضلهم في